========
كنت أقود سيارتي إلى خارج المدينه متوجها إلى
البر حيث الدنيا ربيع والجو بديع, هي فترة المخيمات, فلما باعدت عن المدينة قليلا
وأصبحت أضوائها خلفي, فإذا بهيئة رجل من بعيد يومئ بيده, ولكن هذه المنطقه دائما
ما تكون مرتعا للشباب الصايع والضايع وأصحاب التفحيط, ومنهم أصحاب التحشيش, وكثير
منهم أصحاب السرقات وبعض الأفعال الإجراميه...
الضوء يلامس جانبا من جسم الرجل, والظلام
دامس إلا قليلا من جهة إنارة السياره, ياإلهي؛ هل أقف أم لا؟, وماذا لو وقفت,
لربما يكون مجرما من العاطلين عن العمل أو أصحاب المخدرات فيقتلني أوربما يكون
مسلحا يسرق سيارتي ويبيعها تشليح ( قطع غيار مفرق )...
كما أن لي ماضيا أسودا مع مجرم إختطفني سابقا
( قصة جريمة إختطاف العبدلله )...
لذلك؛ أعتقد أن خوفي ورهبتي كانتا مشروعتان...
رباااه؛ هو أنا مش حخلص يعني...
تمنيت وقتها لو كانت معي ورده وأقطف وريقاتها
وأقول: أقف.. لا أقف.. أقف.. لا أقف.. أقف لا أقف.. ولكن للأسف لم تكن معي ورده, ولم
يكن معي سوى ساندويتش شاورما لذيذه, علما أنني كنت معزوم على عشاء عباره عن خروف
كامل فقط...
وأخيرا توصلت إلى قرار:
والله سأقف ولو كانت حياتي ثمنا لهذا الـ.. مقطوع,
فمالذي يدريني لعله رجل تقطعت به السبل, (وين أودي وجهي من الله وأنا لم أنقذ هذا الرجل المسكين؟)...
والله
لئن أقابل ربي مقتولا أو مسلوبا أفضل من أن أقابله وقد باتت المروءة والإحسان في
نفسي مقتوله...
لما دنوت منه رأيت رجلا منحي الظهر.. لم أستوعب
الموقف.. كهلا في هذا المكان المنعزل.. ترى من أين أتى وإلى أين ذاهب؟..
آه.. قبل قليل كنت أفكر بالشباب الصيع
والمحششين والحراميه, ولكن هذا ليس شابا وبالتأكيد أنه ليس محششا, فماذا يكون
إذا؟!...
ربما يكون جني مثلا.. أو شبح.. أو شيطان
متلبس بصورة إنس...
بعد أن كنت قد خففت من سرعة السياره للوقوف,
عادت قدمي إلى دعاسة البنزين من جديد للهروب, ولكنها انكمشت قليلا...
تمنيت مرة أخرى أن تكون بيدي وردة وأردد:
أدعس البنزين, ما أدعس.. أدعس البنزين, ما
أدعس.. أدعس البنزين, ما أدعس...
ولكن للأسف؛ لم تكن لدي ورده, بل سندويتشة الشاورما
نفسها التي أمسكها في يدي التي ترتعش, ونصفها تساقط على ثوبي...
علما أن ورائي خروفا ينتظرني لإلتهامه في
المخيم وجهتي, ولكن نحن العرب هوايتنا الأولى الأكل دون إعتبار لدهون أو ضغط أو
سكري, ثم نقول لماذا نحن مرهقين وتعبانين على طول وما فينا نشاط؟!...
المهم؛ قررت التوقف لنفس الأسباب السابقه
التي ذكرتها قبل لحظات...
أوقفت السياره بعده بأمتار قليله, ونظرت في المرايه
إلى الخلف, فإذا بالكهل يحاول أن يسرع الخطى حتى لا يتأخر علي, مع أن قدماي
ترتعشان من لهف للهروب منه, ولكنني صمدت...
تفاجأت بأن الكهل لم يكن كهلا, وأن ظهره لم
يكن منحيا لكبر سنه, وإنما رجلا في العقد الخامس من عمره, وقد أضناه التعب من
المشي الطويل, أنزلت الشباك, فاتكأ على الباب وهو يلهث بشده كلهث طفل يلعب و هو
متعب ولكن حبه للفوز على أقرانه جعله يستمر في اللعب وهو غير عابئ بالإرهاق الذي
يعتريه حتى يتغلب عليهم...
قال: وصلني أأرب طريق إنت رايح فيه الله
يكرمك...
كان مصريا يعمل في البلد...
قلت: تفضل...
ركب...
قلت: إلى أين ذاهب؟...
قال: إلى المحطه الفلانيه اللي...
قلت عرفتها؛ ( حيث لا يوجد محطة صناعيه في المنطقه غيرها, وكانت صناعيه لذلك هي
خارج المدينه)...
قلت: ولكن طريقي بعد كيلو سيكون يسارا, والمحطة
يمينا, وهي بعيده جدا, فماذا ستفعل؟...
قال: ربنا يسهل وألقى سياره تقلني كما
أقليتني...
قلت: إذا كنت على أطراف المدينه ولم تجد من
يقلك, ويبدو أنك متعب وأنك مشيت كثيرا, فكيف ستجد من يقلك هناك؟!, الناس حتخاف من
الوقوف لك...
قال: وهو لازال يلهث من التعب: حعمل إيه,
حضطر أمشي...
قلت: يبني حتمشي إيه, دنت حتموت وإنت لسه
ممشيتش حاجه, لسه الطريق طويل...
بس إنت إيه اللي جابك هنا وموديك هناك...
قال: أنا مقيم في المحطه لأني بشتغل فيها,
ومرضت ورحت للطبيب في المدينه, ولما خرجت وعاوز ارجع للمحطه, مفيش تكسي يروح
للمناطق دي, وقررت العودة سيرا على الأقدام...
قلت: وكمان مريض...
هنا وصلت المفرق الذي يجب أن أذهب فيه
يسارا...
قال: خلاص نزلني هنا...
كان طريقه لايزال طويلا, ما يقارب العشرين
كيلو متر أو أكثر, فانعطفت يمينا, وقلت:
مش معقوله حتركك هنا, حوصلك...
فلما قلت حوصلك, وعينك متشوف إلا النور من
كثرة الدعاء, فقال:
الله يخليك, الله يحفظك, الله يستر عليك,
ربنا يخليلك ولادك, أهلك, أبوك, أمك, مراتك ....... إلخ...
تكلف الرجل بالدعاء لدرجة كبيره...
قلت: بس يا حاج؛ هو مفيش حد يعمل خير اليومين
دول.. هو عمل الخير أصبح فضلا وكرما يستحق كل هذه العاطفه والشكر والثناء...
قال: متعرفش إنت عملت في إيه.. أنا كنت أمشي
وكنت كل شوي حقع على وجهي من التعب والمرض...
قلت: أيوه؛ أنا شفت ظهرك منحني...
قال: وصار لي ساعتين أمشي تصدق مفيش حد
وقفلي...
أمال لو نزلتني ( بنص الطريق ) كنت
حعمل إيه...
قلت: صارلك ساعتين ومفيش حد وقفلك...
عاوز الصراحه؛ المنطقه اللي إنت فيها تخوف
أوي, وأنا وقفت لك متجرئا وكنت خايف منك, فشكلك مريب وغريب خاصة إنحناء ظهرك
ورؤيته من الخلف, وهو منظر يذكر الناس بالساحره العجوز التي تركب عصا المكنسه
وتطير, لذا فهو مخيف...
ضحك حتى بانت لغاليغو.. ولكن صاحبنا استمر في
دعائه حتى تمنيت أن أصل بسرعه عشان أنزله لتكلفه في الدعاء...
ليس كرها في الدعاء والعياذ بالله, ولكن؛
لأنني أحسست أن فعل الخير أصبح غريبا جدا, وفضلا عظيما في هذا الزمان الأغبر...
أخيرا..
شكرا لكم على قراءة هذه القصه الواقعيه, التي حدثت معي قبل يومين, وكلها حقيقيه,
ما عدا الشاورما وإرتعاش يداي, زودتها من عندي لزوم الحبكه القصصيه...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
=================
و كتبه / العبد الفقير إلى رحمة ربه وعفوه
داعي التوحيد و نابذ البدع
و كتبه / العبد الفقير إلى رحمة ربه وعفوه
داعي التوحيد و نابذ البدع
Alllprooofالحجه_ابن_عائشه
في 22 / 12 / 2012
http://antibiotic-for-all.blogspot.com
antibiotic.for.all@gmail.com
antibiotic.for.all@gmail.com
================
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق